فصل: الكلام في التوحيد ونفي التشبيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **


 الكلام في التوحيد ونفي التشبيه

قال أبو محمد ذهبت طائفة إلى القول بأن الله تعالى جسم وحجتهم في ذلك أنه لا يقوم في المعقول إلا جسم أو عرض فلما بطل أن يكون تعالى عرضاً ثبت أنه جسم وقالوا إن الفعل لا يصح إلا من جسم والباري تعالى فاعل فوجب أنه جسم واحتجوا بآيات من القرآن فيها ذكر اليد واليدين والأيدي والعين والوجه والجنب وبقوله تعالى وجاء ربك ويأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وتجليه تعالى وبأحاديث للجبل فيها ذكر القدم واليمين والرجل والأصابع والتنزل قال أبو محمد ولجميع هذه النصوص وجوه ظاهرة بينة خارجة على خلاف ما ظنوه وتأولوه قال أبو محمد وهذان الاستدلالان فاسدان أما قولهم أنه لا يقوم في المعقول إلا جسم أو عرض فإنها قسمة ناقصة وإنما الصواب أنه لا يوجد في العالم إلا جسم أو عرض وكلاهما يقتضي بطبيعته وجود محدث له فبالضرورة نعلم أنه لو كان محدثها جسماً أو عرضاً لكان يقتضي فاعلاً فعله ولا بد فوجب بالضرورة أن فاعل الجسم والعرض ليس جسماً ولا عرضاً وهذا برهان يضطر إليه كل ذي حس بضرورة العقل ولابد وأيضاً فلو كان الباري تعالى عن إلحادهم جسماً لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان ومكان هما غيره وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة وهذا كفر وقد تقدم إفسادنا لهذا القول وأيضاً فإنه لا يعقل البتة جسم إلا مؤلف طويل عريض عميق ونظارهم لا يقولون بهذا فإن قالوه لزمهم أن له مؤلفاً جامعاً مخترعاً فاعلاً فإن منعوا من ذلك لزمهم أن لا يوجبوا لما في العالم من التأليف لا مؤلفاً ولا جامعاً إذ المؤلف كله كيفما وجد يقتضي مؤلفاً ضرورة فإن قالوا هو جسم غير مؤلف قيل لهم هذا هو الذي لا يعقل حقاً ولا يتشكل في النفس البتة فإن قالوا لا فرق بين قولنا شيء وبين قولنا جسم قيل لهم هذه دعوى كاذبة على اللغة التي بها يتكلمون وأيضاً فهو باطل لأن الحقيقة أنه لو كان الشيء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسماً لأنه شيء وهذا باطل يتعين والحقيقة هي أنه لا فرق بين قولنا شيء وقولنا موجود وحق وحقيقة ومثبت فهذه كلها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من المسمى بذلك حق ولا مزيد وأما لفظة جسم فإنها في اللغة عبارة عن الطويل العريض العميق المحتمل للقسمة ذي الجهات السصت التي هي فوق وتحت ووراء وأمام ويمين وشمال وربما عدم واحدة منها وهي الفوق هذا حكم هذه الأسماء في اللغة التي هذه الأسماء منها فمن أراد أن يوقع شيئاً منها على غير موضوعها في اللغة فهو مجنون وقاح وهو كمن أراد أن يسمي الحق باطلاً والباطل حقاً وأراد أن يسمي الذهب خشباً وهذا غاية الجهل والسخف إلا أن يأتي نص بنقل اسم منها عن موضوعه إلى معنى آخر فيوقف عنده وإلا فلا وإنما يلزم كل مناظر يريد معرفة الحقائق أو التعريف بها أن يحقق المعاني التي يقع عليها الاسم ثم يخبر بعد بها أو عنها بالواجب وأما مزج الأشياء وقلبها عن موضوعاتها في اللغة فهذا فعل السوفسطائية الوقحاء الجهال الغابنين لعقولهم وأنفسهم فإن قالوا لنا إنكم تقولون أن الله عز وجل حي لا كالأحياء وعليم لا كالعلماء وقادر لا كالقادرين وشيء لا كالأشياء فلم منعتم القول بأنه جسم لا كالأجسام قيل لهم وبالله تعالى التوفيق‏.‏

لولا النص الوارد بتسميته تعالى بأنه حي وقدير وعليم ما سميناه بشيء من ذلك لكن الوقوف عند النص فرض ولم يأت نص بتسميته تعالى جسماً ولا قام البرهان بتسميته جسماً بل البرهان مانع من تسميته بذلك تعالى ولو أتانا نص بتسميته تعالى جسماً لوجب علينا القول بذلك وكنا جينئذ نقول أنه لا كالأجسام كما قلنا في عليم وقد يرو حي ولا فرق وأما لفظة شيء فالنص أيضاً جاء بها والبرهان أوجبها على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى وقالت طائفة منهم أنه تعالى نور واحتجوا بقوله تعالى‏.‏

الله نور السموات والأرض‏.‏

قال أبو محمد ولا يخلو النور من أحد وجهين إما أن يكون جسماً وإما أن يكون عرضاً وأيهما كان فقد قام البرهان أنه تعالى ليس جسماً ولا عرضاً وأما قوله تعالى‏.‏

الله نور السموات والأرض‏.‏

فإنما معناه هدى الله بتنوير النفوس إلى نور الله تعالى في السموات والأرض وبرهان ذلك أن الله عز وجل أدخل الأرض في جملة ما أخبر أنه نور له فلو كان الأمر على أنه النور المضيء المعهود لما خبأ الضياء ساعة من ليل أو نهار البتة فلما رأينا الأمر بخلاف ذلك علمنا أنه بخلاف ما ظنوه قال أبو محمد ويبطل قول من وصف الله تعالى بأنه جسم وقول من وصفه بحركة تعالى الله عن ذلك إن الضرورة توجب أن كل متحرك فذو حركة وأن الحركة لمتحرك بها وهذا من باب الإضافة والصورة في المتصور لمصتور وهذا أيضاً من باب الإضافة فلو كان كل مصور متصوراً وكل محرك متحركاً لوجب وجود أفعال لا أوائل لها وهذا قد أبطلناه فيما خلا من كتابنا بعون الله تعالى لنا وتأييده إيانا فوجب ضرورة وجود محرك ليس متحركاً ومصور ليس متصوراً ضرورة ولابد وهو الباري تعالى محرك المتحركات ومصور المصورات لا إله إلا هو وكل جسم فهو ذو صورة وكل ذي حركة فهو ذو عرض محمول فيه فصح أنه تعالى ليس جسماً ولا متحركاً وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فقد قدمنا أن الحركة والسكون مدة والمدة زمان وقد بينا فيما خلا من كتابنا أن الزمان محدث فالحركة محدثة وكذلك السكون والباري تعالى لا يلحقه الحدث إذ لو لحقه محدثاً يقتضي محدثاً فالباري تعالى غير متحرك ولا ساكن وأيضاً فإن الجسم إنما يفعل آثاراً في الجسم فقط ولا يفعل الأجسام فالباري إذن تعالى على قول المجسمة إنما هو فاعل آثاراً في الأجسام فقط لا فاعل أجسام العالم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فإن قالوا فإنكم تسمونه فاعلاً وتسمون أنفسكم فاعلين وهذا تشبيه قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق لا يوجب ذلك تشبيهاً لأن التشبيه إنما يكون بالمعنى الموجود في كلا المتشبهين لا بالأسماء وهذه التسمية إنما هي اشتراك في العبارة فقط لأن الفاعل من متحرك باختيار أو باضطرار أو عارف أو شاك أو مريد أو كان باختيار أو ضمير أو اضطرار كذلك فكل فاعل منا فمتحرك وذو ضمير وكل متحرك فذو حركة تحركه وأعراض الضمائر انفعالات فكل متحرك فهو منفعل وكل منفعل فلفاعل ضرورة وأما الباري تعالى ففاعل باختيار واختراع لا بحركة ولا بضمير فهذا اختلاف لا اشتباه وبالله تعالى التوفيق وكذلك العرض ليس جسماً والجسم ليس عرضاً والباري تعالى ليس جسماً ولا عرضاً فهذان الحكمان لا يوجبان اشتباهاً أصلاً بل هذا عين الاختلاف لكن الاشتباه إنما يكون بإثبات معنى في المشتبهين به اشتبها ولو أوجب ما ذكرنا اشتباهاً لوجب أن يكون لشبه الجسم في الجسمية لأنه ليس عرضاً وإن يكون لشبه العرض في العرضية لأنه ليس جسماً فكان يكون جسماً لا جسماً عرضاً لا عرضاً معاً وهذا محال فصح أن بالنفي لا يجب الاشتباه أصلاً وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد ومن قال أن الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشتبهاً لكنه الحد في أسماء الله تعالى إذ سماه عز وجل بما لم يسم به نفسه وأما من قال أنه تعالى كالأجسام فهو ملحد في أسمائه تعالى ومشبه مع ذلك قال أبو محمد وأما إطلاق لفظ الصفاة لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ولو قلنا أن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة قال الله تعالى‏.‏

إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى‏.‏

قال أبو محمد وإنما اخترع لفظ الصفات المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدوة وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‏.‏

وربما أطلق هذه اللفظة من متأخري الأئمة من الفقهاء من لم يحقق النظر فيها فهي وهلة من فاضل وذلة عالم وإنما الحق في الدين ما جاء عن الله تعالى نصاً أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك أو صح إجماع الأمة كلها عليه وما عدا هذا فضلال وكل محدثة بدعة فإن اعترضوا بالحديث الذي رويناه من طرق عبد الله بن وهب عن عمرو ابن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الرجاء محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة عن عائشة رضي الله عنها في الرجل الذي كان يقرأ قل هو الله أحد في كل ركعة مع سورة أخرى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يسأل عن ذلك فقال هي صفة الرحمن فأنا أحبها فأخبره عليه السلام أن الله يحبه فالجواب وبالله تعالى التوفيق إن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقوي قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد بن حنبل وأيضاً فإن احتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ على أصولهم لأنه خبر واحد لا يوجب عندهم العلم وأيضاً فلو صح لما كان مخالفاً لقولنا لأننا إنما أنكرنا قول من قال إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاته فأطلق لذلك على العلم والقدرة والقوة والكلام أنها صفات وعلى من أطلق إرادة وسمعاً وبصراً وحياة وأطلق أنها صفات فهذا الذي أنكرناه غاية الإنكار وليس في الحديث المذكور ولا في غيره شيء من هذا أصلاً وإنما فيه أن قل هو الله أحد خاصة صفة الرحمن ولم ننكر هذا نحن بل هو خلاف لقولهم وحجة عليهم لأنهم لا يخصون قل هو الله أحد بذلك دون القرآن ودون الكلام والعلم وغير ذلك وفي هذا الخبر تخصيص لقوله قل هو الله أحد وحدها بذلك وقل هو الله أحد خبر عن الله تعالى بما هو الحق فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن لمعنى أنها خبر عنه تعالى حق فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا وأيضاً فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه منه شيءٌ من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة قل هو الله أحد في كل ركعة مع سورة أخرى فلهذه الفضائح فلتعجب أهل العقول وأما الصفة التي يطلقون هم فإنما هي في اللغة واقعة على عرض في جوهر لا على غير ذلك أصلاً وقد قال تعالى‏.‏

سبحان ربك رب العزة عما يصفون‏.‏

فأنكر تعالى إطلاق الصفات جملة فبطل تمويه من موه بالحديث المذكور ليستحل بذلك ما لا يحل من إطلاق لفظة الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع أصلاً ولا أثر عن السلف والعجب من اقتصارهم على لفظة الصفات ومنعهم من القول بأنها نعوت وسمات ولا فرق بين هذه الألفاظ لا في لغة ولا في معنى ولا في نص ولا في إجماع

 القول في المكان والاستواء

قال أبو محمد ذهبت المعتزلة إلى أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان واحتجوا بقول الله تعالى

ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏.‏

وقوله تعالى‏.‏

ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏.‏

وقوله تعالى‏.‏

ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون‏.‏

قال أبو محمد قول الله تعالى يجب حمله على ظاهره ما لم يمنع من حمله على ظاهره نص آخر أو إجماع أو ضرورة حس وقد علمنا أن كل ما كان في مكان فإنه شاغل لذلك المكان ومالىء له ومتشكل بشكل المكان أو المكان متشكل بشكله ولابد من أحد الأمرين ضرورة وعلمنا أن ما كان في مكان فإنه متناه بتناهي مكانه وهو ذو جهات ست أو خمس متناهية في مكانه وهذه كلها صفات الجسم فلما صح ما ذكرنا علمنا أن قوله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ونحن أقرب إليه منكم وقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم إنما هو التدبير لذلك والإحاطة به فقط ضرورة لانتفاء ما عدا ذلك وأيضاً فإن قولهم في كل مكان خطأ لأنه يلزم بموجب هذا القول أنه يملأ الأماكن كلها وأن يكون ما في الأماكن فيه الله تعالى الله عن ذلك وهذا محال فإن قالوا هو فيها بخلاف كون المتمكن في المكان قيل لهم هذا لا يعقل ولا يقوم عليه دليل وقد قلنا أنه لا يجوز إطلاق اسم على غير موضوعه في اللغة إلا أن يأتي به نص فيقف عنده وندري حينئذ أنه منقول إلى ذلك المعنى الآخر وإلا فلا فإذ صح ما قد ذكرنا فلا يجوز أن يطلق القول بأن الله تعالى في كل مكان لا على تأويل ولا غيره لأنه حكم بأنه تعالى في الأمكنة لكن يطلق القول بأنه تعالى معنا في كل مكان ويكون قولنا حينئذٍ في كل مكان إنما هو من صلة الضمير الذي هو النون والألف اللذان في معنا لا مما يخبر به عن الله تعالى وهذا هو معنى قوله هو معهم أينما كانوا وهو معكم أينما كنتم وذهب قوم إلى أن الله تعالى في مكان دون مكان وقولهم هذا يفسد بما ذكرنا آنفاً ولا فرق واحتج هؤلاء بقوله تعالى‏.‏

الرحمن على العرش استوى‏.‏

قال أبو محمد وقد تأول المسلمون في هذه الآية تأويلات أربعة أحدها قول المجسمة وقد أبنا بحول الله فساده والآخر قالته المعتزلة وهو أن معناه استولى وأنشدوا قد استوى بشر على العراق قال أبو محمد وهذا فاسد لأنه لو كان ذلك لما كان العرش أولى بالاستيلاء عليه من سائر المخلوقات ولجاز لنا أن نقول الرحمن على الأرض استوى لأنه تعالى مستولٍ عليها وعلى كل ما خلق وهذا لا يقوله أحد فصار هذا القول دعوى مجردة بلا دليل فسقط وقال بعض أصحاب بن كلاب أن الاستواء صفة ذات ومعناه نفي الاعوجاج قال أبو محمد وهذا القول في غاية الفساد لوجوه أحدها أنه تعالى لم يسم نفسه مستوياً ولا يحل لأحد أن يسم الله تعالى بما لم يسم به نفسه لأن من فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه حدود الله أي مال عن الحق وقد حد الله تعالى في تسميته حدوداً فقال تعالى‏.‏

ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‏.‏

وثانيها أن الأمة مجمعة على أنه لا يدعو أحد فيقول يا مستوي ارحمني ولا يسمي ابنه عبد المستوي وثالثها أنه ليس كل ما نفي عن الله عز وجل وجب أن يوقع عليه ضده لأننا ننفي عن الله تعالى السكون ولا يحل أن يسمى الله متحركاً وننفي عنه الحركة ولا يجوز أن يسمى ساكناً وننفي عنه الجسم ولا يجوز أن يسمى سماماً وننفي عنه النوم ولا يجوز أن يسمى يقظاناً ولا منتبهاً ولا أن يسمى لنفي الانحناء عنه مستقيماً وكذلك كل صفة لم يأت بها النص فكذلك الاستواء والاعوجاج منفيان عنه معاً سبحانه وتعالى وتعالى الله عن ذلك لأن كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الإعراض والله قد تعالى عن الأعراض ورابعها أنه يلزم من قال بهذا القول الفاسد أن يكون العرش لم يزل تعالى الله عن ذلك لأنه تعالى علق الاستواء بالعرش فلو كان الاستواء لم يزل لكان العرش لم يزل وهذا كفر وخامسها أنه لو كان الاستواء لم يزل لكان العر لم يزل وهذا كفر وخامسها أنه لو كان الاستواء ههنا نفي الاعوجاج لم يكن لإضافة ذلك إلى العرش معنى ولكان كلاماً فاسداً لا وجه له فإن اعترضوا فقالوا إنكم تسمونه سميعاً بصيراً وأنه لم يزل كذلك فيلزمكم على هذا أن المسموعات والمبصرات لم تزل قلنا لهم وبالله تعالى نتأيد هذا لا يلزمنا لأننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه فنقول قال الله تعالى السميع البصير فقلنا بذلك أنه لم يزل وهو السميع البصير بذاته كما هو ولا نقول لا يسمع ولا يبصر فنزيد على ما أتى به النص شيئاً ونحن نقول أنه تعالى لم يزل سميعاً بصيراً بالمبصرات يرى المرئيات ويسمع المسموعات ومعنى هذا كله أنه عالم بكل ذلك كما قال تعالى‏.‏

إنني معكما أسمع وأرى‏.‏

وهذا كله معنى العلم الذي لا يقتضي وجوداً لمعلومات لم تزل لكن يعلم ما يكون أنه سيكون على حقيقته ويعلم ما هو كما هو ويعلم ما قد كان كما قد كان وهذا نجده حساً ومشاهدة وضرورة لأننا فيما بيننا قد نعلم أن زيداً سيموت وموته لم يقع بعد وليس هكذا قولهم في الاستواء لأنه مرتبط بالعرش فإن قالوا لنا فإذن معنى سميع بصير هو معنى عليم فقولوا أنه تعالى يبصر المسموعات ويسمع المرئيات قلنا وبالله تعالى التوفيق ما يمنع من هذا ولا ننكره بل هو صحيح لأن الله تعالى إنما قال أسمع وأرى فهذا إطلاق له على كل شيء على عمومه وبالله تعالى التوفيق والقول الرابع في معنى الاستواء هو أن معنى قوله تعالى على العرش استوى أنه فعل فعله في العرش وهو انتهاء خلقه إليه فليس بعد العرش شيء ويبين ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنات وقال فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن فصح أنه ليس وراء العرش خلق وأنه نهاية جرم المخلوقات الذي ليس خلفه خلاء ولا ملاء ومن أنكر أن يكون للعالم نهاية من المساحة والزمان والمكان فقد لحق بقول الدهرية وفارق الإسلام والاستواء في اللغة يقع على الانتهاء قال الله تعالى ‏.‏

فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً‏.‏

أي فلما انتهى إلى القوة والخير وقال تعالى‏.‏

ثم استوى إلى السماء وهي دخان‏.‏

أي أن خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتب الأرض على ما هي عليه وبالله تعالى التوفيق وهذا هو الحق وبه نقول لصحة البرهان به وبطلان ما عداه فأما القول الثالث في المكان فهو أن الله تعالى لا في مكان ولا في زمان أصلاً وهو قول الجمهور من أهل السنة وبه نقول وهو الذي لا يجوز غيره لبطلان كل ما عداه ولقوله تعالى‏.‏

ألا إنه بكل شيء محيط‏.‏

فهذا يوجب ضرورة أنه تعالى لا في مكان إذ لو كان في المكان لكان المكان محيطاً به من جهة ما أو من جهات وهذا منتف على الباري تعالى بنص الآية المذكورة والمكان شيء بلا شك فلا يجوز أن يكون شيء في مكان ويكون هو محيطاً بمكانه هذا محال في العقل بعلم امتناعه ضرورة وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فإنه لا يكون في مكان إلا ما كان جسماً أو عرضاً في جسم هذا الذي لا يجوز سواه ولا يتشكل في العقل والوهم غيره البتة وإذا انتفى أن يكون الله عز وجل جسماً أو عرضاً فقد انتفى أن يكون في مكان أصلاً وبالله تعالى نتأيد وأما قوله تعالى‏.‏

ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية‏.‏

فقوله الحق نؤمن به يقيناً والله أعلم بمراده في هذا القول ولعله عنى عز وجل السموات السبع والكرسي فهذه ثمانية أجرام هي يومئذ والآن بيننا وبين العرش ولعلهم أيضاً ثمانية ملائكة والله أعلم نقول ما قال ربنا تعالى ونقطع أنه حق يقين على ظاهره وهو أعلم بمعناه ومراده وأما الخرافات فلسنا منها في شيء ولا يصح في هذا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنا نقول هذه غيوب لا دليل لنا على المراد بها لكنا نقول‏.‏

آمنا به كل من عند ربنا‏.‏

وكل ما قاله الله تعالى فحق ليس منه شيء منافياً للمعقول بل هو كله قبل أن يخبرنا به تعالى في حد الإمكان عندنا ثم إذا أخبر به عز وجل صار واجباً حقاً يقيناً وقد قال تعالى‏.‏

الذين يحملون العرش ومن حوله‏.‏

فصح يقيناً أن للعرش حملة وهم الملائكة المنقادون لأمره تعلاى كما نقول أنا أحمل هذا الأمر أي أقوم به وأتولاه وقد قال تعالى أنهم يفعلون ما يأمرون‏.‏

وأنهم يتنزلون بالأمر وأما الحامل للكل والممسك للكل فهو الله عز وجل قال الله تعالى‏.‏

إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده‏.‏

 الكلام في العلم قال الله عز وجل

أنزله بعلمه‏.‏

فأخبر تعالى أنه له علماً ثم اختلف الناس في علم الله تعالى فقال جمهور المعتزلة إطلاق العلم لله عز وجل إنما هو مجاز لا حقيقة وإنما معناه أنه تعالى لا يجهل وقال سائر الناس إن لله تعالى علماً حقيقة لا مجازاً ثم اختلف هؤلاء فقال جهم بن صفوان وهشام بن الحكم ومحمد بن عبد الله ابن سيرة وأصحابهم أن علم الله تعالى هو غير الله تعالى وهو محدث مخلوق سمعنا ذلك ممن جالسناه منهم وناظرناهم عليه وقالت طوائف من أهل السنة علم الله تعالى غير مخلوق لم يزل وليس هو الله ولا هو غير الله وقال الأشعري في أحد قوليه لا يقال هو الله ولا هو غير الله وقال في قول له آخر وافقه عليه الباقلاني وجمهور أصحابه أن علم الله تعالى هو غير الله وخلاف الله وأنه مع ذلك غير مخلوق لم يزل وقال أبو الهذيل العلاف وأصحابه علم الله لم يزل وهو الله وقالت طوائف من أهل السنة علم الله لم يزل وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى ولا نقول هو الله وكان هشام بن عمر القوطي أحد شيوخ المعتزلة لا يطلق القول بأن الله لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها ليس لأنه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون بل كان يقول إن الله تعالى لم يزل عالماً بأنه ستكون الأشياء إذا كانت قال أبو محمد فأما من أنكر أن يكون لله تعالى علم فإنهم قالوا لا يخلو لو كان لله تعالى علم من أن يكون غيره أو يكون هو هو فإن كان غيره فلا يخلو من أن يكون مخلوقاً أو لم يزل وأي الأمرين كان فهو فاسد فإن كان هو الله فالله علم وهذا فاسد قال أبو محمد أما نفس قولهم في أن ليس لله تعالى علم فمخالف للقرآن وما خالف القرآن فباطل ولا يحل لأحد أن ينكر ما نص الله تعالى عليه وقد نص الله تعالى على أنه له علماً فمن أنكره فقد اعترض على الله تعالى وأما اعتراضاتهم التي ذكرنا ففاسدة كلها وسنوضح فسادها إن شاء الله تعالى في إفسادنا لقول الجهمية والأشعرية لأن هذه الاعتراضات هي اعتراضات هاتين الطائفتين وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد احتج جهم بن صفوان بأن قال لو كان علم الله تعالى لم يزل لكان لا يخلو من أن لا يكون هو الله أو هو غيره فإن كان علم الله غير الله وهو لم يزل فهذا تشريك لله تعالى وإيجاب الأذلية لغيره تعالى معه وهذا كفر وإن كان هو الله فالله علم وهذا إلحاد وقال نسأل من أنكر أن يكون علم الله تعالى هو غيره فنقول أخبرونا إذا قلنا الله ثم قلنا إنه عليم فهل فهمتم من قولنا عليم شياء زايداً غير ما فهمتم من قولنا الله أم لا فإن قلتم لا أحلتم وإن قلتم نعم أثبتم معنى آخر هو غير الله وهو علمه وهكذا قالوا في قدير وقوي وفي سائر ما ادعوا فيه الصفات وقال أيضاً إننا نقول إن الله تعالى عالم بنفسه ولا نقول أنه قادر على نفسه فصح أن علمه تعالى هو غير قدرته وإذ هو غيرها فهما غير الله تعالى وقد يعلم الله تعالى قادراً من لا يعلمه عالماً ويعلمه عالماً من لا يعلمه قادراً فصح أن كل ذلك معان متغايرة واحتج بهذا كله أيضاً من رأى أن علم الله تعالى لم يزل وأنه مع ذلك غير الله تعالى وأنه غير قدرته أيضاً واحتج بآيات من القرآن مثل قوله تعالى‏.‏

ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين‏.‏

ومثل هذه قال أبو محمد من قال بحدوث العلم فإنه قول عظيم جداً لأنه نص بأن الله تعالى لم يعلم شيئاً حتى أحدث لنفسه علماً وإذا ثبت أن الله تعالى يعلم الآن الأشياء فقد انتفى عنه الجهل بها يقيناً فلو كان يوماً من الدهر لا يعلم شيئاً مما سيكون فقد ثبت له الجهل به ولابد من هذا ضرورة وإثبات الجهل لله تعالى كفر بلا خلاف لأنه وصفه تعالى بالنقص ووصفه يقتضي له الحدوث ولابد وهذا باطل مما قدمنا من انتفاء جميع صفات الحدوث عن الفاعل تعالى وليس هذا من باب نفي الضدين عنه كنفينا عنه تعالى الحركة والسكون لأن نفي جميع الضدين موجود عما ليس فيه أحدهما ولا كلاهما وأما إذا ثبت للموصوف بعض نوع من الصفات وانتفى عنه بعض ذلك النوع فلا بد ههنا ضرورة من إثبات ضده مثال ذلك الحجر انتفى عنه العلم والجهل وأما الإنسان إذا ثبت له العلم بشيء وانتفى عنه العلم بشيء آخر فقد وجب ضرورة إثبات الجهل له بما لم يعلمه وهكذا في كل شيء فإذا قد صح هذا فالواجب النظر في إفساد احتجاجهم فأما قولهم لو كان علم الله لم يزل وهو غير الله تعالى لكان ذلك شركاً فهو قول صحيح واعتراض لا يرد وأما قولهم لو كان هو الله لكان الله علماً فهذا لا يلزم على ما نبين بعد هذا إن شاء الله وجملة ذلك أننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه ولم يسم نفسه علماً ولا قدرة فلا يحل لأحد أن يسميه بذلك وأما قولهم هل يفهم من قول القائل الله كالذي يفهم من قوله عالم فقط أو يفهم من قوله عالم معنى غير ما يفهم من قوله الله فجوابنا وبالله تعالى نتأيد أننا لا نفهم من قولنا قدير وعالم إذا أردنا بذلك الله تعالى إلا ما نفهم من قولنا الله فقط لأن كل ذلك أسماء أعلام لا مشتقة من صفة أصلاً لكن إذا قلنا هو الله تعالى بكل شيء عليم ويعلم الغيب فإنما يفهم من كل ذلك أن ههنا له تعالى معلومات وأنه لا يخفى عليه شيء ولا يفهم منه البتة أن له علماً هو غيره وهكذا نقول في يقدر وفي غير ذلك كله وأما قولهم أننا نقول أنه تعالى عالم بنفسه ولا نقول أنه قادر على نفسه فقد كذب من قال ذلك وإفك بل كل ذلك سواء وهو تعالى قادر على نفسه كما هو عالم بها ولا فرق بين ذلك وقد سقط عن هذا السؤال جملة وقد تكلمنا على تفصيل هذا السؤال بعد هذا ويلزمهم ضرورة إذ قالوا أنه تعالى غير قادر على نفسه أنه عاجز عن نفسه وإطلاق هذا كفر صريح وأما قولهم أنه قد يعلم الله تعالى قادراً من لا يعلمه عالماً ويعلمه عالماً من لا يعلمه قادراً فلا حجة في ذلك لأن جهل من جهل الحق ليس بحجة على الحق وقد نجد من يعلم الله عز وجل ويعتقد فيه أنه عز وجل جسم فليست الظنون حجة في إبطال حق ولا في تحقيق باطل فصح أن علم الله تعالى حق وقدرته حق وقوته حق وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى ولا العلم غير القدرة ولا القدرة غير العلم إذ لم يأت دليل بغير هذا لا من عقل ولا من سمع وبالله تعالى التوفيق وجهم بن صفوان سمرقندي يكنى أبا محرز مولى لبني راسب من الأزد وكان كاتباً للحارث بن شريح التميمي أيام قيامه بخراسان وظفر مسلم بن أحوز التميمي بجهم في تلك الأيام فضرب عنقه قال أبو محمد ومعنى كل ما جاء في القرآن من الآيات التي ذكروا هو ما نبينه إن شاء الله تعالى بحوله عز وجل وهو أنه لما أخبرنا الله عز وجل بأن أهل النار لوردوا لعادوا لما نهوا عنه وأخبرنا عز وجل بأنه يعلم متى تقوم الساعة وأخبرنا بما تقول أهل الجنة وأهل النار قبل أن يقولوا وسائر ما في القرآن من الأخبار الصادقة عما لم يكن بعد علمنا بذلك إن علمه تعالى بالأشياء كلها متقدم لوجودها ولكونها ضرورة وعلمنا أن كلامه عز وجل لا يتناقض ولا يتدافع وأن المراد بقوله تعالى حتى نعلم المجاهدين منكم وسائر ما في القرآن من مثل هذا إنما هو على ظاهره دون تكلف تأويل بل على المعهود وبيننا كقوله تعالى‏.‏

فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى‏.‏

إنما هو كله على حسب إدراك المخاطب ومعنى ذلك أي حتى نعلم من يجاهد منكم مجاهداً ونعلم من يصير منكم صابراً وهذا لا يكون إلا في حين جهادهم وحين صبرهم وأما قبل أن يجاهدوا ويصبروا فإنما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين وأنهم سيجاهدون ويصبرون فإذا جاهدوا علمهم حينئذٍ مجاهدين وإنما الزمان في كل هذا للمعلوم وأما علمه تعالى ففي غير زمان وليس ههنا تبدل علم وإنما يتبدل المعلوم فقط والعلم بكل ذلك لم يزل غير متبدل فإن قالوا متى علم الله زيداً ميتاً فإن قلتم لم يزل يعلمه ميتاً وجب أن زيداً لم يزل ميتاً وهذا محال وإن قلتم لم يعلمه ميتاً حتى مات فهذا قولنا لا قولكم فالجواب عن هذا أننا لا نقول شيئاً مما ذكر ولكننا نقول إن الله عز وجل لم يزل يعلم أنه سيخلف زيداً وأنه سيعيش كذا وكذا وأنه سيموت في وقت كذا فعلم الله تعالى بكل ذلك واحد لا يتبدل ولا يستحيل ولا زاد فيه تبدل الأحوال التي للمعلوم شيئاً ولا نقص منه عدمها شيئاً ولا أحدث له حدوث ذلك علماً لم يكن وإنما تغاير المعلومات لا العلم ولا العليم ولا القدرة ولا القدير والفرق بين القول متى علم الله زيداً ميتاً وبين القول متى علمت زيداً ميتاً فرق بين وهو أن علمي بأن زيداً مات هو عرض حدث في النفس بحدوث موت زيد وهو غير علمي بأن زيداً حي وأنه سيموت لأن علمي بأن زيداً سيموت إنما هو علم بأنه ستحدث حال مقتضية لموته يوماً ما لا علمنا بوجود الموت وعلمي بأن زيداً ميت علم بوجود الموت فهو غير العلم الأول وكلاهما عرض مخلوق في النفس وعلم الله تعالى ليس كذلك لأنه ليس هو شيئاً غير الله عز وجل ولو كان علم الله محدثا لوجب ضرورة أن يكون على حكم سائر المحدثات وبضرورة العقل نعلم أن العلم كيفية عرض والعرض لا يقوم البتة إلا في جسم ومحال أن يكون العلم محمولاً في غير العالم به فكان يجب من هذا القول بالتجسيم وهذا قول قد بطل بما قدمنا من البراهين على وجوب حدوث كل جسم وعرض فإن قال قائل علم الله تعالى عرض حادث في المعلوم قائم به لا بالباري عز وجل ولا بنفسه قلنا له وبالله تعالى التوفيق بنص القرآن علمنا أن الله عز وجل عنده علم الساعة وعلم ما لا يكون أبداً إن لو كان كيف كان يكون إذ يقول تعالى‏.‏

ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه‏.‏

ولقوله تعالى لنوح عليه السلام‏.‏

إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏.‏

وأخبر تعالى أنهم مغرقون فلو كان علم الله تعالى عرضاً قائماً في المعلوم والمعلوم الذي هو الساعة غيرموجود بعد والعلم موجود بيقين فلا بد ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يكون المعلوم موجوداً لوجود العلم به وهذا باطل بضرورة الحس لأن المعلوم الذي ذكرنا معدوم فيكون معدوماً موجوداً في حين واحد من جهة واحدة أو يكون العلم الموجود قائماً بمعلوم معدوم فيكون عرض موجود محمولاً في حامل معدوم وهذا تخليط ومحال فاسد البتة وإنما كلامنا هذا مع أهل ملتنا المقرين بالقرآن وأما سائر الملل فليس نكلمهم في هذا لأنها نتيجة مقدمات سوالف ولا يجوز الكلام في النتيجة إلا بعد إثبات المقدمات فإن ثبتت المقدمات ثبتت النتيجة والبرهان لا يعارضه برهان فكل ما ثبت ببرهان فعورض بشيء فإنما هو شغب بلا شك وإن لم تصح المقدمات فالنتيجة باطلة دون تكلف دليل ومقدمات ما ذكرنا هي إثبات التوحيد وحدوث العالم ونقل الكواف لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وللقرآن فإن ذكروا الآيات التي في القرآن مثل‏.‏

لعله يتذكر أو يخشى لعلكم تؤمنون لعلكم تشكرون لعلكم تذكرون‏.‏

ونحو ذلك فإنما هي كلها بمعنى لام العاقبة أي ليتذكر ولتؤمنوا وليشكروا وليتذكروا وليخشى على ظاهر الأمر عندنا من إمكان كل ذلك منا كما قال عز وجل‏.‏

ليبلوكم أيكم أحسن عملاً‏.‏

وقال عز وجل‏.‏

ثم لتكونوا شيوخاً‏.‏

فهذا أيضاً على الإمكان ممن عاش والأول على الممكن من الناس عند الخطاب والدعاء إلى الله تعالى وكذلك كل ما جاء في القرآن بلفظة أو فإنما هو على أحد وجهين أما على الشك من المخاطبين لا من الله تعالى وأما بمعنى التخيير في الكل كقول القائل جالس الحسن أو ابن سيرين برهان ذلك ورود النص بأنه تعالى لا يضل ولا ينسى وأنه قد علم أن فرعون لا يؤمن حتى يرى العذاب وكما قال تعالى أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن وبهذا تتألف النصوص كلها فلم يبق لأهل القول بحدوث العلم إلا أن يقولوا أنه تعالى خلق شيئاً ما كان حاملاً لعلمه بالساعة قال أبو محمد وهذا من السخف ما هو من العلم لأن علم العالم لا يقوم بغيره ولا يحمله سواه هذا أمر يعلم بالضرورة والحس فمن ادعى دعوى لا يأتي عليها بدليل فهي باطلة فكيف إذا أبطلها الحس وضرورة العقل ويبين ما قلنا نصاً قوله تعالى حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل‏.‏

عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون‏.‏

هذا مع قوله تعالى‏.‏

وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا‏.‏

فهذا نص قولنا أنه قد علم تعالى ما يفعلون وأخبر بذلك ثم مع هذا أخرج الخطاب بالمعهود عندنا بلفظ عسى وفينظر قال أبو محمد فإذقد صح ما ذكرنا فقد ثبت ضرورة أن قول القائل متى علم الله زيداً ميتاً سؤال فاسد بالضرورة لأن متى سؤال عن زمان وعلم الله تعالى ليس في زمان أصلاً لأنه ليس هو غير الله تعالى وقد مضى البرهان على أن الله تعالى ليس في زمان ولا في مكان وإنما الزمان والمكان للمعلوم فقط بما بينا وبالله تعالى التوفيق فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل‏.‏

ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء‏.‏

فقال إن من للتبعيض ولا يتبعض إلا محدث مخلوق ولا يحاط إلا بمخلوق محدث وقد نص الله تعالى أنه يحاط بما شاء من علمه فوجب أن علمه مخلوق لأنه محاط ببعضه وهو متبعض فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن كلام الله تعالى واجب أن يحمل على ظاهره ولا يحال عن ظاهره البتة إلا أن يأتي نص أو إجماع أو ضرورة حس على أن شيئاً منه ليس على ظاهره وأنه قد نقل عن ظاهره وأنه قد نقل عن ظاهره إلى معنى آخر فالانقياد واجب علينا لما أوحيه ذلك النص والإجماع لا يأتي إلا بحق والله تعالى لا يقول إلا الحق وكل ما أبطله برهان ضروري فليس بحق فإذ هذا كما قلنا وقد ثبت ضرورة أن علم الله تعالى ليس عرضاً ولا جسماً أصلاً لا محمولاً فيه ولا في غيره ولا هو شيء غير الباري عز وجل فبالضرورة نعلم أن معنى قوله عز وجل ولا يحيطون بشيء من علمه إنما المراد العلم المخلوق الذي أعطاه عباده وهو عرض في العالمين محمول فيهم وهو مضاف إلى الله عز وجل بمعنى الملك وهذا لا شك فيه لأنه لا علم لنا إلا ما علمنا قال الله عز وجل‏.‏

وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً‏.‏

يريد تعالى ما خلق من العلوم وبثها في عباده كما قال الخضر لموسى عليهما السلام أني على علم من علم الله لا تعلمه أنت وأت على علم من علم الله لا أعلمه أنا وما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر قال أبو محمد فهذه إضافة الملك وكما قال تعالى في عيسى أنه روح الله وهذا كله إضافة الملك فهذا معنى قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد نفى الله تعالى الإحاطة من الخلق به فقال عز وجل ولا يحيطون به علماً قال أبو محمد ويخرج أيضاً على ظاهره أحسن خروج دون تأويل ولا تكلف فيكون معنى قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أي من العلم بالله تعالى وهذا حق لا شك فيه لأننا لا نحيط من العلم به تعالى إلا بما علمنا فقط قال تعالى ولا يحيطون به علماً فيكون معنى من علمه أي من معرفته فإن قالوا فما معنى دعائكم الله في الرحمة والمغفرة وهل يخلو أن يكون سبق علمه بالرحمة فأي معنى للدعاء فيما لا بد منه وهل هو إلا كمن دعي في طلوع الشمس غداً أو في أن يجعل إنساناً إنساناً أو في أن تكون الأرض أرضاً وإن كان سبق في علمه تعالى خلاف ذلك فأي معنى في الدعاء فيما لا يكون وهل هو إلا كمن دعى في أن لا تقوم الساعة أو في أن لا يكون الناس ناساً فيقال لهم وبالله التوفيق الدعاء عمل أمرنا الله تعالى به لا على أنه يرد قدراً ولا أنه يكون من أجله ما لا يكون لكن الله تعالى قد جعل في سابق علمه الدعاء الذي سبق في علمه قبوله يكون سبباً لما سبق في علمه كونه كما جعل في سابق علمه الغذا بالطعام والشراب سبباً لبلوغ الأجل الذي سبق في علمه البلوغ إليه وكذلك مساير الأعمال وقد نص تعالى على أنه تعالى يعلم آجال العباد قال تعالى‏.‏

فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون‏.‏

ومع ذلك فقد جعل تعالى الأكل والشرب سبباً إلى استيفاء ذلك المقدار وكل ذلك سابق في علمه عز وجل والدعاء هكذا وكذلك التداوي على سبيل الطب ولا فرق وقد أخبرنا تعالى أنه يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم وأمرنا مع ذلك بالدعاء بالصلاة عليه وقال تعالى قل رب احكم بالحق فأمرنا بالدعاء بذلك وقد علمنا أنه تعالى لا يحكم إلا بالحق فصح ما قلنا من أن الدعاء عمل أمرنا به فنحن نعمله حيث أمرنا عز وجل به ولا نعمله حيث لم نؤمر به والحمد لله رب العالمين فإذ قد بطل بعون الله تعالى وتأييده قول من قال إن علم الله تعالى هو غير الله تعالى وهو مخلوق فلنتكلم بعون الله تعالى وتأييده على قول من قال إن علم الله تعالى قال أبو محمد هذا قول لا يحتاج في رده إلى أكثر من أنه شرك مجرد وإبطال للتوحيد لأنه إذا كان مع الله تعالى شيء غيره لم يزل معه فقد بطل أن يكون الله تعالى كان وحده بل قد صار له شريك في أنه لم يزل وهذا كفر مجرد ونصرانية محضة مع أنها دعوىساقطة بلا دليل أصلاً وما قال بهذا أحد قط من أهل الإسلام قبل هذه الفرقة المحدثة بعد الثلاث ماية عام فهو خروج عن الإسلام وترك للإجماع المتيقن وقد قلت لبعضهم إذ قلتم أنه لم يزل مع الله تعالى شيء آخر هو غيره وخلافه ولم يزل معه فلماذا أنكرتم على النصارى إلا اقتصارهم على الثلاثة فقط ولم يجعلوا معه تعالى أكثر من ذلك فأمسكت عنه إن صرح بأن قولهم أدخل في الشرك من قول النصارى وقولهم هذا رد لقول الله عز وجل قل هو الله أحد فلو كان مع الله غير الله لم يكن الله أحد قال أبو محمد وما كنا نصدق من أن نتمي إلى الإسلام يأتي بهذا لولا أنا شاهدناهم وناظرناهم ورأينا ذلك صراحاً في كتبهم ككتاب السمناني قاضي الموصل في عصرنا هذا وهو من أكابرهم وفي كتاب المجالس للأشعري وفي كتب لهم أخر قال أبو محمد والعجب مع هذا كله تصريح الباقلاني وابن فورك في كتبهما في الأصول وغيرها بأن علم الله تعالى واقع مع علمنا تحت حد واحد وهذه حماقة ممزوجة بهوس إذ جعلوا ما لم يزل محدوداً بمنزلة المحدثات وكل ما أدخلناه على المنانية والنصارى ومن يبطل التوحيد فهو داخل على هذه الفرقة حرفاً بحرف فأغنانا أن نحيل على ذلك عن تكراره ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد هذا مع قولهم إن التغاير لا يكون غلا فيما جاز أن يوجد أحدهما دون الآخر قال أبو محمد وهذه غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان عليها لا من قرآن ولا سنة ولا معقول ولا لغة أصلاً وما كان هكذا فهو باطل ويلزمهم على هذا أن الخلق ليسوا غير الخالق تعالى لأنه لا يجوز أن يوجد الخلق دون الخالق فإن قالوا جايز أن يوجد الخالق دون الخلق قلنا نعم فمن أين لكم أن أحد التغاير هو أنه لا يجوز أن يوجد أحدهما أيهما كان دون الآخر وهذا ما لا سبيل لهم إليه ويلزمهم لزوماً لا ينفكون عنه إن الإعراض ليست غير الجواهر لأنه لا يجوز البتة ولا يمكن ولا يتوهم وجود أحدهما دون الآخر جملة ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد وحد التغاير الصحيح هو ما شهدت له اللغة وضرورة الحس والعقل وهو أن كل مسميين جاز أن يخبر عن أحدهما بخبر ما لا يخبر به عن الآخر فهما غيران لا بد من هذا وبالجملة ما لم يكن غير الشيء نفسه فهو غيره وما لم يكن غير الشيء فهو نفسه وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد فإذ قد بطل بعون الله تعالى وتأييده قول من قال إن علم الله تعالى هو غير الله ثم جعله مخلوقاً أو لم يزل فلنقل سائر الأقوال في هذه المسألة إن شاء الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال أبو محمد من قال إن علم الله تعالى لي هو الله تعالى ولا هو غيره ولكنه صفة ذات لم يزل فكلام فاسد محال متناقض يبطل بعضه بعضاً لأنهم إذ قالوا علم الله تعالى ليس هو الله فقد أوجبوا بهذا القول ضرورة أنه غيره ثم غيره ثم إذ قالوا ولا هو غيره فقد أبطلوا الغيرية وأوجبوا بهذا القول ضرورة أنه هو فصح أنه سواء قول القائل لا هو ولا غيره وقول القائل هو هو وهو غيره فإن معنى هاتين القضيتين واحد لا يختلف وكلا العبارتين باطل مناقض لا يعقل نفي وإثبات معاً وهذا تخليط الممرورين نعوذ بالله من الخذلان والعجب من احتجاج بعضهم في هذا الباطل بأن قال إن الطول ليس هو الطويل ولا هو غيره قال أبو محمد وهذا من أطم ما يكون من الجهل والمكابرة إذ لا يدري هذا القائل أن الطويل جوهر جسم قائم بنفسه حامل لطوله ولسائر أعراضه وإن الطول عرض من الأعراض محمول في الطويل غير قائم بنفسه فمن جهل أن المحمول غير الحامل وأن القائم بنفسه هو غير ما لا يقوم بنفسه فهو عديم حس وينبغي له أن يعلم قبل أن يهدر ونحن نريه الطين الطويل يدور فيذهب الطول والتربيع ويأتي التدوير والذي كان طويلاً باق بحسه فهل يخفى على سالم التمييز أن الذاهب غير الآتي وأن الفاني غير الباقي فبالضرورة نعلم أن الطول غير الطويل ثم نقول لمن تعلق بهذه العبارة الفاسدة أخبرونا هل يخلو كل اسمين متغايرين من أحد وجهين ضرورة لا ثالث لهما البتة أما أن يكون الاسمان واقعين معاً على شيء واحد يعبر بذينك الاسمين على ذلك الشيء الذي علق عليه وأما أن يكون الاسمان واقعين على شيئين اثنين يعبر بكل اسم منهما على حدته عن الشيء الذي علق عليه ذلك الاسم هذان وجهان لابد من أحدهما ضرورة لكل اسمين وأي هذين كان فهو مبطل لتخليط من قال لا هو ههو ولا غيره وقد زاد بعضهم في الشعوذة والسفسطة وإفساد الحقائق فأتى بدعوى فاسدة وذلك أن قال لا يكون الشيء غير الشيء إلا إذا أمكن أن ينفرد أحدهما عن الآخر قال أبو محمد وهذه دعوى مجردة بلا دليل فلو لم يكن إلا هذا لسقط هذا التمويه فكيف وهي قضية فاسدة لأنها توجب أن كلية الإعراض ليست غير كلية الجواهر لأنه لا سبيل إلى انفراد الجواهر عن الإعراض ولا انفراد الإعراض عن الجواهر فكفى فساداً بكل هذيان أدى إلى مثل هذا التخليط قال أبو محمد حد التغاير في الغيرين هو أن كل شيء أخبر عنه بخبر ما لا يكون ذلك الخبر في ذلك الوقت خبراً عن الشيء الآخر فهو بالضرورة غير ما لا يشاركه في ذلك الخبر وليس في كل ما يعلم ويوجد شيئان يخلوان من هذا الوصف بوجه من الوجوه وهذا مقتضى لفظة الغير في اللغة وبالله تعالى التوفيق مع أن هذا أمر يعلم بضرورة الحس والعقل وحد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر ولا بد وأيضاً فكل اسمين مختلفين لا يخبر عن مسمى أحدهما بشيء إلا كان ذلك الخبر خبراً عن مسمى الاسم الآخر ولابد أبداً فمسماهما واحد بلا شك فإذ قد صح فساد هذا القول فلنقل بعون الله تعالى في عبارة الأشعري الأخرى وهو قوله هو هو ولا يقال هو غيره فنقول أنه لم يزد في هذه العبارة على أن قال لا يقال في هذا شيء قال أبو محمد وهذا خطاءٌ لأنه لابد ضرورة من أحد هذين القولين فسقط هذا القول أيضاً إذ ليس فيه بيان الحقيقة وأما قول أبي الهذيل أن علم الله هو الله فإنه تسمية منه للباري تعالى باستدلال ولا يجوز أن يخبر عن الله تعالى ولا أن يسمى باستدلال البتة لأنه بخلاف كل ما خلق فلا دليل يوجب تسميته بشيء من الأسماء التي يسمى بها شيء من خلقه ولا أن يوصف بصفة يوصف بها شيء من خلقه ولا أن يخبر عنه بما يخبر به عن شيء من خلقه إلا أن يأتي نص بشيءٍ من ذلك فيوقف عنده فمن وصفه تعالى بصفة يوصف بها شيء من خلقه أو سماه باسم يسمي به شيء من خلقه استدلالاً على ذلك بما وجد في خلقه فقد شبهه تعالى بخلقه وألحد في أسمائه وافترى الكذب ولا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد وحتى وإن كان المعنى صحيحاً فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ وقد علمنا يقيناً أن الله عز وجل بنى السماء قال تعالى‏.‏

والسماء بنيناها بأيد‏.‏

ولا يجوز أن يسمى بناءً وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان وأنه تعالى قال‏.‏

صبغة الله‏.‏

ولا يجوز أن يسمى صباغاً وهكذا كل شيءٍ لم يسم به نفسه وليس يجب أن يسمى الله تعالى بأنه هو علمه وإن صح يقيناً أن له علماً ليس هو غيره لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وقد صح أن ذات الله تعالى ليست غيره وأن وجهه ليس غيره وأن نفسه ليست غيره وأن هذه الأسماء لا يعبر عنها إلا عنه تعالى لا عن شيء غيره تعالى البتة ولا يجوز أن يقال أنه تعالى ذات ولا أنه وجه ولا أنه نفس ولا أنه علم ولا أنه قدرة ولا أنه قوة لما ذكرنا من امتناع أن يسمى عالم يسم به نفسه عن رجل وأما علم المخلوقين فهو شيء غيرهم بلا شك لأنه يذهب ويعاقبه جهل والباري تعالى لا يشبهه غيره في شيءٍ من هذه الأشياء البتة بل هو تعالى خلاف خلقه في كل وجه فوجب أن علمه تعالى ليس غيره وقال تعالى ليس كمثله شيء قال أبو محمد فإن قال لنا قائل إذ العلم عندكم ليس هو غير الله تعالى وأن قدرته ليست غيره وأن قوته ليست غيره تعالى فأنتم إذاً تعبدون العلم والقدرة والقوة فجوابنا في ذلك وبالله تعالى التوفيق إننا إنما نعبد الله تعالى بالعمل الذي أمرنا به لا بما سواه ولا ندعوه كما أمرنا تعالى قال عز وجل‏.‏

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه‏.‏

وقال تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين‏.‏

فنحن لا نعبد إلا الله كما أمرنا ولا نقول أننا نعبد العلم لأن الله تعالى لم يطلق لنا أن نطلق هذا اللفظ ولا أن نعتقده ثم نسألهم عنما سألونا عنه بعينه فنقول لهم أنتم تقرون أن وجه الله وعين الله ويد الله ونفس الله ليس شيء من ذلك غير الله تعالى بل ذلك عندكم هو الله فأنتم إذاً تعبدون الوجه واليد والعين والذات فإن قالوا نعم قلنا لهم فقولوا في دعائكم يا يد الله ارحمينا ويا عين الله ارضي عنا ويا ذات الله اغفري لنا فإياك نعبد وقولوا نحن خلق وجه الله وعبيد عين الله فإن جسروا على ذلك فنحن لا نجيز الإقدام على ما لم يأذن به الله ولا نتعدى حدوده فإن شهدوا فلا نشهد معهم‏.‏

ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‏.‏

والذي ألزمونا من هذا فهو لازم لهم لأنه سؤال رضوه وصححوه ومن رضي شيئاً لزمه ونحن لم نرض هذا السؤال ولا صححناه فلا يلزمنا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد وأجمع المسلمون على القول بما جاء به نص القرآن من أن الله تعالى سميع بصير ثم اختلفوا فقالت طائفة من أهل السنة والأشعرية وجعفر بن حرب من المعتزلة وهشام بن الحكم وجميع المجسمة نقطع أن الله سميع بسمع بصير ببصر وذهبت طوائف من أهل السنة منهم الشافعي وداود ابن علي وعبد العزيز بن مسلم الناني رضي الله عنه م وغيرهم إلى أن الله تعالى سميع بصير ولا نقول بسمع ولا ببصر لأن الله تعالى لم يقله ولكن سميع بذاته وبصير بذاته قال أبو محمد وبهذا نقول ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم يأت به نص لما ذكرنا آنفاً من أنه لا يجوز أن يخبر عنه تعالى ما لم يخبر عن نفسه واحتج من أطلق على الله تعالى السمع والبصر بأن قال لا يعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصير إلا ببصر ولا يجوز أن يسمى بصيراً إلا من له بصر ولا يسمى سميعاً إلا من له سمع واحتجوا أيضاً في هذا وما ذهبوا إليه من أن الصفات متغايرة بأنه لا يجوز أن يقال أنه تعالى يسمع المبصرات ولا أنه يبصر المسموعات من الأصوات وقالوا هذا لا يعقل قال أبو محمد وكل هذين الدليلين شغبي فاسدٌ أما قولهم لا يعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصر إلا ببصر فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق أما فيما بيننا فنعم وكذلك أصلاً لم نجد قط في شيء من العالم الذي نحن فيه سميعاً إلا بسمع ولا وجد فيه بصير إلا ببصر فإنه لم يوجد قط أيضاً فيه سمعي إلا بجارحة يسمع بها ولا وجد قط فيه عالم إلا بضمير فلزمهم أن يجروا على الله تعالى هذه الأوصاف وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وهم لا يقولون هذا ولا يستجيزونه وأما المجسمة فإنهم أطلقوا هذا وجوزوه وقد مضى نقض قولهم بعون الله وتأييده ويلزم الطائفتين كلتيهما إذا قطعوا بأن لله تعالى سمعاً وبصراً لأنه سميع بصير ولا يمكن أن يكون سميع بصير إلا إذا سمع وبصر لاسيما وقد صح النص بأن له تعالى عيناً وأعيناً أن يقولوا أنه ذو حدقة وناظر وطباق في العين وذو أشفار وأهداب لأننا نشاهد في العالم ولا يمكن البتة أن تكون عين الذي عين يرى بها ويبصر إلا هكذا وإلا فهي عين ذات عاهة أو كعيون بعض الحيوان التي لا يطبقها وكذلك لا يكون في المعهود ولا يمكن البتة أن يكون سميع في العالم إلا بإذن ذات صاماخ فيلزمهم أن يثبتوا هذا كله وإلا فقد أبطلوا استدلالهم وزودوا استشهادهم بالمعهود والمعقول فإن أطلقوا هذا كله تركوا مذهبهم وخرجوا إلى أقبح قول المجسمة مما لا يرضى به أكثر المجسمة وقد ذكرنا فساد قولهم قبل والحمد لله رب العالمين فإذا جوزوا أن يكون الباري تعالى سميعاً بصيراً بغير جارحة وهذا خلاف ما عهدوا في العالم وجوزوا أن يكون له تعالى عين بلا حدقة ولا ناظر ولا طباق ولا أهداب ولا أشفار وهذا أيضاً خلاف ما عهدوا في العالم فلا ينكروا قول من قال إنه سميع لا يسمع بصير لا يبصر وإن كان ذلك خلاف ما عهدوا في العالم على أن بين القولين فرقاً واضحاً وهو أننا نحن لم نلتزم أن نحل تسميته عز وجل قياساً على ما عهدنا بل ذلك حرامٌ لا يجوز ولا يحل لأنه ليس في العالم شيء يشبهه عز وجل فيقاس عليه قال الله تبارك وتعالى‏.‏

ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏.‏

فقلنا نعم إنه سميع بصير لا كشيء من البصراء ولا السامعين مما في العالم وكل سميع وبصير في العالم فهو ذو سمع وبصر فالله تعالى بخلاف ذلك بنص القرآن فهو سميع كما قال لا يسمع كالسامعين وبصير كما قال لا يبصر كالمبصرين لا يسمي ربنا تعالى إلا بما سمي به نفسه ولا يخبر عنه إلا بما أخبر به عن نفسه فقط كما قال تعالى هو السميع البصير فقلنا نعم هو السميع البصير ولم يقل تعالى إن له سمعاً وبصرا فلا يحل لأحد أن يقول إن له سمعاً وبصراً فيكون قائلاً على الله تعالى بلا علم وهذا لا يحل وبالله تعالى نعتصم وأما خصومنا فإنهم أطلقوا أنه لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير في أنه ذو سمع وبصر فيلزمهم ضرورة أن لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير في أنه ذو جارحة يسمع بها ويبصر بها ولابد ولولا تلك الجارحة ما سمي أحد من العالم سميعاً ولا بصيراً ولا أبصر أحد شيئاً فإن ذكروا قول الله تعالى‏.‏

لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون‏.‏

قلنا لهم وبالله التوفيق هذه الآية أعظم حجة عليكم لأن الله تعالى نص فيها على أنهم لم يروا بعيونهم ما يتعظون به ولا سمعوا بآذانهم ما يقبلونه من الهدى فلما كانت العيون والآذان لا ينتفع بها استحق الذم والنكال فلولا أن العين والأذن بهما يكون السمع والبصر ضرورة ولابد لا بشيء دونهما ما استحق الذم من رزق أذناً وعيناً سالمتين فلم يسمع بهما ويبصر ما يهتدي به بعون الله عز وجل له وما كان يكون معنى لذكر الله عز وجل العين والأذن في السمع والبصر بها لو جاز أن يكون سمع وبصر دونهما فبطل قولهم بالقرآن ضرورة وبالحس وبديهة العقل والحمد لله رب العالمين وأما ما موهوا به من قولهم أنه لولا أن له سمعاً وبصراً لجاز أن يقال أنه تعالى يسمع الألوان ويرى الأصوات فهذا كلام لا يطلق في كل شيءٍ على عمومه لأننا إنما خوطبنا بلغة العرب فلا يجوز أن نستعمل غيرها فيما خوطبنا به والذي ذكرتم من روية الأصوات وسماع الألوان لا يطلق في اللغة التي خوطبنا فيما بيننا فليس لنا أن ندخل في اللغة ما ليس فيها إلا أن يأتي بذلك نص فنقلبه على اللغة ثم نقول أنه لو قال قائل أنه تعالى سميع للألوان بصير بالأصوات بمعنى عالم بها لكان ذلك جائزاً ولما منع من ذلك برهان فنحن نقول سمعت الله عز وجل يقول كذا وكذا ورأينا الله تعالى يقول كذا وكذا ويأمر بكذا ويفعل كذا بمعنى علمنا فهذا لا ينكره أحد ولافرق بين هذا وبين ما سألوا عنه وأيضاً فإن الله عز وجل يقول‏.‏

أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبض ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيءٍ بصير‏.‏

وهذا عموم لكل شيءٍ كما قلنا فلا يجوز ن يخص به شيء دون شيء إلا بنص آخر أو إجماع أو ضرورة ولا سبيل إلى شيءٍ من هذا فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى‏.‏

يعلم السر وأخفى‏.‏

فصح أن بصيراً وسميعاً وعليماً بمعنى واحد ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق إنه تعالى بإجماع منا ومنكم هو السميع البصير وهو أحد غير متكثر ولا نقول إنه السميع للألوان البصير بالأصوات إلا على الوجه الذي قلنا وليس ذلك يوجب أن السميع غير البصير فالذي أردتم إلزامه ساقطه وإنما اختلفت معلوماته وإنما هو تعالى واحد وعلمه بها كلها واحد يعلمها كلها بذاته لا يعلم هو غيره البتة وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أتقولون أن الله عز وجل لم يزل سميعاً بصيراً قلنا نعم لم يزل الله تعالى سميعاً بصيراً عفواً غفوراً عزيزاً قديراً رحيماً وهكذا كل ما جاء في القرآن بكان الله كما جاء كان الله سميعاً بصيراً ونحو ذلك لأن قوله كان إخبار عنما لم يزل إذا أخبر بذلك عن نفسه لا عمن سواه فإن قالوا أتقولون لم يزل الله خالقاً خلاقاً رازقاً قلنا لا نقول هذا لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقاً خلاقاً رازقاً لكنا نقول لم يزل الخلاق الرزاق ولم يزل الله تعالى لا يخلق ولا يرزق ثم خلق ورزق من خلق وهذا يوجب ضرورة أنها أسماء أعلام لا مشتقه لأنه لو كان خالق ورازق مشتقين من خلق ورزق لكان لم يزل ذا خلق يخلقه ويرزقه فإن قيل فإن السميع والبصير والرحمن والرحيم والعفو والغفور والملك كل ذلك يقتضي مسموعاً ومبصراً ومرحوماً ومغفوراً له ومعفواً عنه ومملوكاً قلنا المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى هو المعنى في عليم ولا فرق وليس ما يظن أهل العلم من أن له تعالى سمعاً وبصراً مختصين بالمسموع والمبصر تشبيهاً بخلقه سوى علمه لأن الله تعالى لم ينص على ذلك فيلزمنا أن نقوله ولا يجوز أن يخبر عن الله بغير ما أخبر عن نفسه لأن الله تعالى يقول‏.‏

ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏.‏

فصح أنه تعالى سميع ليس كمثله شيء من السامعين بصير لا كمثل شيء من البصراء فإن قال قائل أتقولون أن الله عز وجل لم يزل يسمع ويرى ويدرك قلنا نعم لأن الله عز وجل قال‏.‏

إنني معكما أسمع وأرى‏.‏

وقال تعالى‏.‏

وهو يدرك الأبصار‏.‏

وقال تعالى‏.‏

والله يسمع تحاوركما‏.‏

وصح الإجماع بقول سمع الله لمن حمده وصح النص فما أذن الله لشيء اذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن فنقول إن يسمع ويرى وأسمع وأرى ويدرك كل ذلك بمعنى واحد وهو معنى يعلم ولا فرق وأما الاذن لنبي حسن الصوت فهي من الاذن بمعنى القبول كما يأذن الحاجب لمأذون له في الدخول وليس من الأذن التي هي الجارحة ولو كان كما تظنون لكان بصره للمبصرات وسمعه للمسموعات محدثاً ولكان غير سميع حتى سمع وغير بصير حتى أبصر ولم يدرك حتى أدرك وحاشا له تعالى من هذا فكل هذا بمعنى العلم ولا مزيد فإن قيل فإن الله تعالى يقول‏.‏

وربك يخلق ما يشاء ويختار‏.‏

قلنا نعم وخلق الله تعالى فعل له محدث له واختياره تعالى هو خلقه لا غيره وليس هذا من يسمع ويبصر ويرى ويدرك في شيء لأن معنى كل هذا ومعنى العلم سواء ولا يجوز أن يكون معنى يخلق ويختار ومعنى العلم وأما العفو والغفور والرحيم والحليم والملك فلا يقتضي شيء من هذا وجود مرحوم معه ولا معفو عنه مغفور له معه ولا مملوك محلوم عنه معه بل هو تعالى رحيم بذاته عفو بذاته غفور بذاته ملك بذاته مع النص الوارد بأنه تعالى كان كذلك وهي أسماء أعلام له عز وجل فإن ذكروا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بينهم وبين أن يروه إلا رداء الكبرياء على وجهه لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ففي هذا الخبر إبطال لقولهم لأن فيه أن الصر منته ذو نهاية وكل ذي نهاية محدود وكل محدود محدث وهم لا يقولون هذا لكن معناه أن البصر قد يستعمل في اللغة بمعنى الحفظ قال النابعة رأيتك ترعاني بعين بصيرة وتبعث حراساً علي وناظرا فمعنى هذا الخبر لو كشف تعالى الستر الذي جعل دون سطوته لأحرقت عظمته ما انتهى إليه حفظه ورعايته من خلقه وكذلك قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه ا الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات إنما هو بمعنى أن علمه وسع كل ذلك يعلم السر وأخفى ثم تريد بياناً بعون الله تعالى فنقول إن قولكم لا يعقل سميع إلا بسمع ولا بصير إلا ببصر فإن كان هذا صحيحاً يوجب أن يقال إن الله سمعاً وبصراً فإنه لا يعقل من له مكر إلا وهو ماكر ولا من كان من الماكرين إلا وهو ماكر ولا يعقل أحد مما يستهزىء إلا وهو مستهزىء ولا يعقل أحد ممن يكيد إلا وهو كياد ولا يعقل من له كيد ومكر إلاو هو كياد ومكار ولا يكون خادع إلا يسمى الخادع الخداع وذو خدائع ولا يعقل من نسي إلا وهو ناسٍ وذو نسيان هذا هو الذي لا سبيل إلى أن يوجد في العالم خلافه وقد قال تعالى‏.‏

وأكيد كيداً‏.‏

وقال تعالى‏.‏

الله يستهزىء بهم‏.‏

وقال تعالى‏.‏

وهو خادعهم‏.‏

وقال تعالى‏.‏

أفأمنوا مكر الله‏.‏

وقال تعالى‏.‏

ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين‏.‏

وقال تعالى‏.‏

قل لله تعالى المكر جميعاً وقال تعالى‏.‏

نسوا الله فنسيهم‏.‏

وقال تعالى‏.‏

سخر الله منهم فيلزمهم إذا سمعوا ربهم تعالى ووصفوا من طريق استدلالهم قياسهم وما شاهدوه في الحارض عندهم أن يسموه ماكراً فيقولوا يا ماكر ارحمنا ويسموا بينهم عبد الماكر وكذلك القول في الكياد والمستهزىء والخداع والناسي والساخر وإلا فقد تناقضوا وتلاعبوا بصفات ربهم تعالى وبدينهم فإن قالوا إن هذه الصفات ذمٌ وعيب وإنما نصفه عز وجل بصفات المدح لزمهم مصيبتان عظيمتان إحداهما إطلاقهم أن الله عز وجل أخبر عن نفسه في هذه الآيات بصفات الذم والعيب وهذا كفر والثانية أن يصفوا ربهم بكل صفة مدح وحمد فيما بينهم وإن لم يأت بها نص وإلا فقد تناقضوا وقصروا فيصفوه بأنه عاقل وأنه شجاع جلد سخي حسن الأخلاق نزيه النفس تام المرؤة كامل الفضائل ذو هيئة نبيل نعم المرء ويقولوا أنه تياه قياساً على أنه تعالى جبار متكبر ويقولوا أنه مستكبر فهو والمتكبر في اللغة سواء وذو تيه وعجب وذهوٍ ولا فرق بين هذا وبين المكر والكبرياء فيما بيننا فإن فعلوا هذا خرجوا عن الإسلام بالإجماع إلا أن يعذروا بشدة الجهل وظلمته وعماه وأن يفروا عن ذلك تركوا ما قد دانوا به من تسمية الله تعالى ووصفه بأن له سمعاً وبصراً وسائر ما وصفوه تعالى به بآرائهم الفاسدة مما لم يأت به نصٌ كقولهم قديم ومتكلم ومريد وأن له إرادة لم تزل وسائر ما اجترؤا عليه بغير برهان من الله عز وجل وأيضاً فإن هذه الصفات التي منعوا منها لأنها بزعمهم صفات ذم فإن السمع والبصر والحياة أيضاً صفات نقص لأنه أعراض دالة على الحدوث فيمن هي فيه فإن قالوا ليست لله تعالى كذلك قيل لهم ولا تلك الصفات أيضاً إذا أطلقتموها عليه أيضاً صفات ذم ولا فرق ولقد قال لي بعضهم إنما قلنا أن الله تعالى يكيد ويستهزىء ويمكر وينسى وهو خادعهم على معنى أنه تعالى يقارضهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمى بأسمائها فقلت لهم نعم هكذا نقول ولمن ننازعك في هذا فتستريح إليه بل قلنا لكم سموه تعالى مستهزئاً وكياداً وخداعاً وماكراً وناسياً وساخراً على معنى أنه مقارض لهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمىبأسمائها كما قلتم في يكيد ويستهزىء وينسى وهو خادعهم سواء بسواء ولا فرق وقد قلتم إن الأفعال توجب لفاعلها أسماء فعلها فسكت خاسئاً وهذا ما لا انفكاك منه وبهذا وبما ذكرنا يعارض كل من قال إننا سمينا الله تعالى عالماً لنفي الجهل وقادراً لنفي العجز ومتكلماً لنفي الخرس وحياً لنفي الموت فإنهم لا ينفكون من هذا البتة وأما نحن فلولا النص الوارد بعليم وقدير وعالم الغيب والشهادة وقادر على أن يخلق مثلهم والحي لما جاز أن يسمى الله تعالى بشيءٍ من هذا أصلاً ولا يجوز أن يقال حي بحياة البتة فإن قالوا كيف يكون حي بلا حياة قلنا لهم وكيف يكون حي غير حساس ولا متحرك بإرادة ولا ساكن بإرادة هذا ما لا يعقل البتة ولا يعرف ولا يتوهم وهم يجرون عليه تعالى الحس ولا الحركة ولا السكون فإن قالوا إن تسمينا إياه حكيماً يغني عن عاقل وكريماً يغني عن سخي وجباراً متكبراً يغني عن متجبر ومستكبر وتياه وزاه وقوياً يغني عن شجاع وجلد قلنا هذا ترك منكم لما أصلتموه من إطلاق السمع والبصر والحياة والإرادة وأنه متكلم واحتجاجكم بأن من كان سميعاً فلابد له من سمع ومن كان بصيراً فلابد له من بصر ومن كان حياً فلابد له من حياة ومن كان مريداً فلا بد له من إرادة ومن كان له كلام فهو متكلم فأطلقتم كل هذا على الله عز وجل بلا برهان فإن ناب عندكم ما ورد به النص من حكيم وقوي وكريم ومتكبر وجبار عن عاقل وشجاع وسخي ومتجبر ومستكبر وتياه وزاه فلم تجيزوا أن تسموا الباري عز وجل بشيءٍ من هذا فكذلك فقولوا كما قلنا نحن إن سميعاً وبصيراً وحياً وله كلام ويريد يغني عن تجويز ذكر السمع والبصر والإرادة ومتكلم ولا فرق هذا علي أن قولكم إن قوياً يغني عن شجاع خطأ فرب قويٌّ غير شجاع وشجاع غير قوي وكذلك أيضاً كان الرحمن يغني عن رحيم والخالق يغني عن الباري وعن المصور فإن قالوا لا يجوز الاقتصار على بعض ما أتي به النص ولا يجوز التعدي إلى ما لم يأت به النص قلنا لهم قد اهتديتم ووفقتم لرشدكم ولقيتم ربكم تعالى بحجة ظاهرة في أنكم لم تتعدوا حدوده ولا ألحدتم في أسمائه ولا خالفتم ما أمركم به وبالله تعالى التوفيق مع أن الذي ألزمناهم هو ألزم لهم مما التزموه لأن بالضرورة نعلم نحن وهم أن الفعل لا يقوم بنفسه ولابد له ضرورة من أن يضاف إلى فاعله فلا بد أيضاً من إضافة الفاعل إليه على معنى وصفة بأن فعله هذا ما لا يقوم في العقل وجود شيء في العالم بخلاف هذه الرتبة وقد وجدنا في العلام أشياء كثيرة لا تحتاج إلى وصفها بصفة لتنفي عنها ضد تلك الصفة كالسماء والأرض لا يجوز أن يوصف منها شيء بالبصر لنفي العمي ولا بالعمي لنفي البصر فإذا لم نضطر إلى ذلك في وصف الأشياء فيما بيننا بطل قياسهم الباري تعالى على بعض ما في العالم وكان إطلاق شيءٍ من جميع الصفات على خالق الصفات والموصوفين أبعد وأشد امتناعاً إلا بما سمي به نفسه فنقر بذلك وندري أنه حق ولا نتعداه إلى ما سواه أفلا يستحي من التزم إذا وجد أشياء من العالم توصف بالحياة لنفي الموت وبالبصر لنفي العمي ولم يجر على قياسه هذا الفاسد من أن يأتي بتسميته مستهزئاً وكياداً وقد قال تعالى أنه يستهزىء ويكيد فهلا غذ وفقه الله تعالى للإمساك عن تصريف الفعل ها هنا جري على ذلك التوفيق فلم يزد على نص الله تعالى من سميع وبصير وحي شيا أصلاً ولكن التناقض سهل من لم يعتصم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واستعمل رأيه وقياسه في دينه وفيما يجريه على الله تعالى نعوذ بالله من الضلال والخذلان وبهذا يبطل إلزام من أراد من المعتزلة إلزامنا أن نسمي الله تعالى مسياءً لخلقه السيئات وشرير الشرور لخلقه قال أبو محمد وقد شغب بعضهم فيما ادعوه من أن كل صفة أضافوها إلى الله تعالى فهو غير سائر صفاته بأن الله تعالى موصوف بأنه يعلم نفسه ولا يوصف بالقدرة على نفسه قالوا فلو كان العلم والقدرة واحداً لجريا في الإطلاق مجرى واحداً قال أبو محمد وقد بينا بطلان هذا في كلامنا قبل بعون الله عز وجل ونزيد بعون الله عز وجل فنقول وبه نتأيد التغاير إنما يقع في المعلومات والمقدورات لا في القادر ولا في العالم ولا شك عندنا وعندهم في أن العليم والقدير واحد وهو تعالى عليم بنفسه ولا يقال عندهم قدير على نفسه فإذا لم يوجب هذا الحكم أن يكون القدير غير العليم فهو غير موجب أن يكون العلم غير القدرة بلا شك ثم نقول لهم أخبرونا عن علم الله تعالى بحياة زيد قبل موته وبإيمانه قبل كفره هل هو العلم بكفره وموته أو هو غير العلم بذلك فإن قالوا إن العلم بموت زيد هو غير العلم بحياته وعلمه بإيمانه هو غير علمه بكفره لزمهم تغاير العلم والقول بحدوثه وهم لا يقولون هذا وإن قالوا علمه تعالى بإيمان زيد هو علمه بكفره وعلمه بحياة زيد هو علمه بموته قيل فإذا تغاير المعلوم تحت العلم لا يوجب تغاير العلم في ذاته عندكم فمن أين أوحيتم أن تغاير المعلوم والمقدور موجب لتغاير العلم والقدرة والحقيقة من كل ذلك أنه لا حقيقة أصلاً إلا الخالق تعالى وخلقه وأن كل ما لم ينص الله تعالى عليه من وصفه لنفسه ومن أسمائه فلا يحل لأحد أن يخبر عنه تعالى وأن كل ما نص الله عز وجل عليه من أسمائه وما أخبر به تعالى عن نفسه فهو حق ندين الله تعالى بالإقرار به ونعلم أن المراد بكل ذلك هو الله لا شريك له وأنها كلها أسماء يعبر بها عنه تعالى ولا يرجع منها شيء إلى غير الله تعالى البتة تعالى الله أن يكون معه شيء آخر غيره وأقر بعضهم بحضرتي أن مع الله تعالى سبعة عشر شيئاً متغايرة كلها قديم لم تزل وكلها غير الله تعالى ورأيت في كتاب لبعضهم أنها خمسة عشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وذكروا أن تلك الأشياء هي السمع والبصر والعين واليد والوجه والكلام والعلم والقدرة والإرادة والعزة والرحمة والأمر والعدل والحياة والصدق قال أبو محمد لقد قصروا من طريق النص ومن طريق العقل أيضاً عن أصولهم فأين هم عن النفس والجلال والإكرام والجبروت والكبرياء واليدين والأعين والأيدي والقدم والحمد والقوة فهذه كلها منصوص عليها كالعلم والقدرة وأين هم عن الحلم من حليم والكرم من كريم والعظمة من عظيم والتوبة من تواب والهبة من وهاب والقرب من قريب واللطف من لطيف والسعة من واسع والشكر من شاكر والمجد من مجيد والود من ودود والقيام من قيوم وهذا كثير جداً ويتجاوز أضعاف الأعداد التي اقتصروا عليها بتحكيمهم بالضلال والإلحاد في أسمائه عز وجل وقد زاد بعضهم فيما ادعوه من صفات الذات الاستوا والتكليم والقدم والبقاء ورأيت للأشعري في كتابه المعروف بالموجز أن الله تعالى إذ قال إنك بأعيننا إنما أراد عينين وبالجملة فكل من لم يخف الله عز وجل فيما يقول ولم يستحي من الباطل لم يبال بما يقول وقد قلنا أنه لم يأت نص بلفظ الصفة قط بوجه من الوجوه لكن الله تعالى أخبرنا بأن له علماً وقوة وكلاماً وقدرة فقلنا هذا كله حق لا يرجع منه إلى شيء غير الله تعالى أصلاً وبه تعالى نتأيد قال أبو محمد ويقال لمن قال إنما سمي الله تعالى عليماً لأنه له علماً وحكيماً لأن له حكمة وهكذا في سائر أسمائه وادعى أن الضرورة توجب أنه لا يسمى عالماً إلا من له علم وهكذا في سائر الصفات إذا قستم الغائب بزعمكم تريدون الله عز وجل على الحاضر منكم فبالضرورة ندري أنه لا علم عندنا إلا ما كان في ضمير ذي خواطر وفكر تعرف به الأشياء على ما هي عليه فإن وصفتم ربكم تعالى بذلك ألحدتم ولا خلاف في هذا من أحد وتركتم أقوالكم وإن منعتم من ذلك تركتم أصلكم في اشتقاق أسمائه تعالى من صفات فيه وأيضاً فإن عليماً وحكيماً ورحيماً وقديراً وسائر ما جرى هذا المجرى لا يسمى في اللغة إلا نعوتاً وأوصافاً ولا تسمى أسماء البتة وأما إذا سمي الإنسان حليماً أو حكيماً أو رحيماً أو حياً وكان ذلك اسماً له فهو حينئذ أسماء أعلام غير مشتقة بلا خلاف من أحد وكل هذه فإنما هي لله عز وجل أسماءً بنص القرآن ونص السنة والإجماع من جميع أهل الإسلام قال الله تعالى‏.‏

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون‏.‏

وقال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى‏.‏

وقال تعالى هو الله الذي لا غله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تسعةً وتسعين اسماً ماية إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر ولم يختلف أحد من أهل الإسلام في أنها أسماء لله تعالى ولا في أنها لا يقال أنها نعوت له عز وجل ولا أوصاف الله ولو وجد في المتأخرين من يقول ذلك لكان قولاً باطلاً ومخالفة لقول الله تعالى ولا حجة في أحد في الدين دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لا شك فيما قلنا فليست مشتقة من صفة أصلاً ويقال لهم إذا قلتم إنها مشتقة فقولوا لنا من اشتقها فإن قالوا إن الله تعالى اشتقها لنفسه قلنا لهم هذا هو القول على الله تعالى بالكذب الذي لم يخبر به عن نفسه وقفوتم في ذلك ما لم يأتكم به علم وإن قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتقها قلنا كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحي بها إليه فقط فصح يقيناً أن القول بأنها مشتقة فرية على الله تعالى وكذب عليه ونعوذ بالله من ذلك وصح بهذا البرهان الواضح أنه لا يدل حينئذ عليم على علم ولا قدير على قدرة ولا حي على حياة وهكذا في سائر ذلك وإنما قلنا بالعلم والقدرة والقوة والعزة بنصوص أخر يجب الطاعة لها والقول بها ووجدنا المتأخرين من الأشعرية كالباقلاني وابن فورك وغيرهما قالوا إن هذه السماء ليست أسماء لله تعالى ولكنها تسميات له وأنه ليس لله إلا اسم واحد لكنه قول إلحاد ومعارضة لله عز وجل بالتكذيب بالآيات التي تلونا ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نص عليه من عدد الأسماء وهتك لإجماع أهل الإسلام عامهم وخاصهم قبل أن تحدث هذه الفرقة ومما أحدثه أهل الإسلام في أسماء الله عز وجل القيدم قال أبو محمد وهذا لا يجوز البتة لأنه لم يصح به نص البتة ولا يجوز أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه وقد قال تعالى‏.‏

والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم‏.‏

فصح أن القديم من صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمى الله تعالى بذلك وإنما يعرف القديم في اللغة من القدمية الزمانية أي إن هذا الشيء أقدم من هذا بمدة مخصورة وهذا منفي عن الله عز وجل وقد أغنى الله عز وجل عن هذه التسمية بلفظة أول فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره وهو معنى أنه لم يزل وقد قلنا بالبرهان أن الله تعالى لا يجوز أن يسمى بالاستدلال ولا فرق بين من قال أنه يسمي ربه جسماً إثباتاً للوجود ونفياً للعدم وبين من سماه قديماً إثباتاً لأنه لم يزل ونفياً للحدوث لأن كلا اللفظتين لم يأت به نص فإن قال من سماه جسماً ألحد لأنه جعله كالأجسام قيل له ومن سماه قديماً قد ألحد في أسمائه لأنه جعله كالقدماء فإن قال ليس في العالم قدماء أكذبه القرآن بما ذكرنا وأكذبته اللغة التي بها نزل القرآن إذ يقول كل قائل في اللغة هذا الشيء أقدم من هذه وهذا أمر قديم وزمان قديم وشيخ قديم وبناء قديم وهكذا في كل شيء وأما نفي خلق الإيمان فهذا أعجب ما أتوا به وهل الإيمان الأفعل المؤمن الظاهر منه يزيد وينقص ويذهب البتة وهو خلق الله تعالى وهذه صفات الحدوث نفسها فإن قالوا أن الله هو المؤمن قلنا لهم نعم هو المؤمن المهيمن المصور فأسماؤه بذلك أعلام لا مشتقة من صفات محمولة فيه عز وجل تعالى الله عن ذلك إلا ما كان مسمى له عز وجل لفعل فعله فهذا ظاهر كالخالق والمصور فإن قلتم في هذا أيضاً أنها صفات لم تزل لزمكم أنه تعالى المصور بتصوير لم يزل قال أبو محمد وقال بعضهم إن قولنا سميع بسمع بصير ببصر حي بحياة لا يوجب تشابهاً ولا يكون الشيء شبهاً للشيء إلا إذا ناب منابه وسد مسده قال أبو محمد وهذا كلام في غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان لا من شريعة ولا من طبيعة وما اختلفت قط اللغات والطبائع والأمم في أن النسبة بين المشبهات إنما هو بصفاتها في الأجسام وبذواتها في الإعراض وقد قال الله تعالى‏.‏

وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم‏.‏

فليت شعري هل قال ذو مسكة من عقل أن الحمير والكلاب والخنافس تنوب منابنا أو تسدنا وقال تعالى حاكياً عن الأنبياء عليهم السلام أنهم قالوا‏.‏

إن نحن إلا بشر مثلكم‏.‏

فهل قال قط مسلم أن الكفار ينوبون عن الأنبياء ويسدون مسدهم وقال تعالى‏.‏

كأنهن الياقوت والمرجان‏.‏

فهل قال ذو مسكة من عقل إن الياقوت ينوب مناب الحور العين ويسد مسدهن ومثل هذا في القرآن كثير جداً وفي كلام كل أمة والعجب أنهم بعد أن أتوا بهذه العظيمة نسوا أنفسهم فجعلوا التشابه في بعض الأحوال يوجب شرع الشرائع قياساً وهذا دين لم يأذن به الله تعالى فهم أبداً في الشيء وضده والبناء والهدم ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد وحقيقة التماثل والتشابه هو أن كل جسمين اشتبها فإنما يشتبهان بصفة محمولة فيهما أو بصفات فيهما وكل عرضين فإنما يشتبهان بوقوعهما تحت نوع واحد كالحمرة والحمرة